زبيري رمضان

مدونة أ/زبيري رمضان ترحب بالإخوة الزائرين للمدونة ونرجو من الله أن المدونة وما فيها تحوز إعجابكم ومتمنين من الله الصحة والعافية لكل زوار وأعضاء المدونة إدارة المدونة أ/زبيري

الأربعاء، 27 نوفمبر 2013

المحاضرة الرابعة

الفكر السياسي عند أفلاطون
ولد في أثينا(426 ـ427) قبل الميلاد. أهم أعماله: نظرية المعرفة"، "نظرية الطبيعة"،" الأخلاق"،" السياسة"،"التأملات حول الدين والفن". ومنذ شبابه أعلن أفلاطون رغبته بالتوجه للشؤون العامة. أهم كتبه "الجمهورية" وهي المدينة الكاملة المؤسسة على العدالة.
وهذه المدينة من المفترض أن تعيد إنتاج وتوزيع العدالة الفردية على أكبر درجة أو مقياس ممكن. وقد ركز أفلاطون على أن" تنفيذ المهام المختلفة يتطلب الناس المختلفين". أما الحاجات يجب أن تكون محدودة وفق الأشياء الجوهرية، وتطور المدينة الناتج عن هذا التنظيم للمهام و الحاجات يؤدي لظهور مهنة جديدة هي الجيش، وهو ضروري لحماية المدينة من الفقراء الطامعين من مدن أخرى. ويذكر أن تطور المدينة يحدث تقسيما ثلاثيا لأعضائها: "طبقة" من الحراس تمتلك العلم المتعلق بالحكومات،"طبقة" من المحاربين لا تفتقد الشجاعة، وأخيرا "طبقة" من المنتجين،المزارعين و المهنيين. وهذه الأخيرة لا تحتاج إلى كفاءات متميزة أو خاصة. بعد تنظيم المدينة بهذه الطريقة فإنها ستتوافق مع " الحكمة"، لأنه على رأسها يتواجد هؤلاء الذين ندعوهم من الآن فصاعدا" بالتقنيين" المتخصصين بالسلطة.
والعدالة في المدينة تظهر كنتيجة لهذا التخصص الموزع على ثلاث طبقات. اختفاء إحداها أو الاختلاط فيما بينها يؤدي للخلل في التوازن أو التراتب. هذه التراتبية للطبقات والتي ترتكز عليها المدينة، يقارنها أفلاطون بأنواع المعادن الأقل و الأكثر قيمة: الذهب ( الحراس الفلاسفة والمتخصصون بالسياسة)،الفضة (المحاربين وهي مساعدة للأولى) والحديد (المزارعين والمهنيين).
  الأشكال المختلفة للحكومات والحكم الأمثل عند أفلاطون:
     قدم أفلاطون تحليلاً مختلفاً للحكومات القائمة والتي كانت من قبله خاصة تلك التي عرفها من خلال تجربته الشخصية، ومن خلال الترجمة أو المعطيات التاريخية، وأخيرا من خلال فلسفته وتفكيره. وصف مختلف هذه الحكومات مبينا مميزاتها وعيوبها، وأخذ بالحسبان الفكرة الهامة التي ذكرها في كتابه، وهي أن تنظيما جيداً للمدينة يجعل الناس أكثر سهولة و جودة من الناس الذين يعيشون في مدينة تحكمها حكومة سيئة، وأنه لا يوجد حكومة جيدة مع الناس الذين لا يتمتعون بالفضيلة. ويقسم أفلاطون الحكومات إلى أربعة أشكال رئيسية:التيموقراطية، الأوليغارشية، الديمقراطية والطاغية.    
التيموقراطية. وهي حكومة الأقلية العسكرية التي تصل إلى الحكم بالقوة نظراً لفساد الحكم، ويتصف هذا النوع من الحكومات بما يسمى "مفهوم الشرف". فالدولة التيموقراطية تعرّف من قبل أفلاطون من خلال التحليلين التاليين: الزعماء أو القادة الذين يستفيدون أو يحصلون على تقدير كبير من قبل الجسم الاجتماعي، أما المجتمع هو مقسوم إلى طبقات مغلقة كل منها متخصصة في ممارسة خاصة للوظيفة التي أسندت إليها.هذه الطبقات هي: المحاربون، الكهنة، المنتجون والتي تمارس باحترام مهمات القيادة و حماية المجموعة. فالنظام التيموقراطي الذي تحدث عنه أفلاطون وجد بشكل فعلي في عملية تنظيم السلطة في إسبرطة والتي أعجب بها كثيرا. وقد اعتبر أفلاطون هذا الشكل من الحكومات بأنه جيد بسبب ارتكازه على مبادئ يعتبرها عادلة وتحترم تخصص كل مجموعة في ممارسة وظيفة محددة.
الأوليغارشية: وهي شكل من الحكومات مؤسس على التعداد، حيث الأغنياء يقودون والفقراء ليس لديهم حصة في السلطة. ووفق تعريف أفلاطون فإن المعيار المحدد لهذه الحكومة هو الغنى، وضمن هذا المعنى فالحكم يمارس من قبل الأشخاص الأكثر غنى و الذين سيحكمون بشكل طبيعي من أجل استخدام السلطة لزيادة غناهم بشكل أكبر. الغنى هنا يعتبر الفضيلة الاجتماعية الأساسية وهي تدخل في تناقض مع القيم الأخرى ولاسيما الفضيلة بمفهومها العام.
ومن المنطق أن نختم الحديث عن الأوليغارشية بالقول أنها لا تستطيع أن تكون نظاما أو شكلا جيدا للحكم كما رآها أفلاطون لأن الفضيلة  والممارسة الفاضلة للوظائف الموزعة هي المعيار للحكومة العادلة وهذا لا يمكن أن يتصالح مع منطق الغنى. إذاً الأوليغارشية هي معتبرة من قبل أفلاطون بأنها شكل سيء للحكومة لأنها تهدد بإنهاء وحدة المجتمع. وهنا في الواقع نرى تعبيرا في غاية الأهمية عند أفلاطون وهو أساسي في فلسفته السياسية عندما يقول "بأن وحدة المجتمع هي الهدف الأساسي الذي يجب أن يتابع عندما نؤسس حكومة و أن القدرة على الحفاظ عليها هي معيار هام لقيمة الحكم، وكل شيء يساهم في تقسيم المجتمع هو شر، وكل شيء يساند وحدته هو خير".
الديمقراطية:  في فكر أفلاطون الديمقراطية لها معنى مختلفا عن المعنى الذي نعطيه لها اليوم. الديمقراطية هي حكومة الفقراء ضد الأغنياء أي هي حكومة العدد الأكبر لأن الغالبية في المجتمع هم من الفقراء. ومع الديمقراطية نكون بعيدين جدا عن حكومة تهدف إلى الحرية وتحقيق المساواة الممكنة بعكس تعريف الديمقراطية اليوم. و الديمقراطية وفق أفلاطون هي نظام مدان لعدة أسباب: أولا: الديمقراطية هي شكل سيء للحكومة حيث أنها لا تحترم التخصص الضروري لمختلف الفئات الاجتماعية في ممارستها لوظائفها المحددة. وثانيا: الديمقراطية تشكل أو تؤدي لاستمرار الصراع بين الأغنياء والفقراء،وهذا أيضا كما في النظام الأوليغارشي يهدد وحدة المجتمع. ثالثا وأخيرا: أفلاطون يدين الديمقراطية لأنها بالضرورة النظام الذي يعطي مميزات لعديمي الكفاءة والمؤهلات.
الطغيان: إنها الحكومة التي يديرها شخص واحد لا يخضع ولا يحترم القانون. هذا النظام مدان بشكل كبير من قبل أفلاطون. وأكبر أخطاء هذا النظام أنه يخضع لإرادة وقيادة فرد واحد في إصدار أو توقيف القرارات إذاً بعد كل هذه الصفات هو نظام بعيد عن الفضيلة. بالإضافة لذلك نظام الطغيان هو نظام خطر حيث أنه لا يترك إلا مساحة صغيرة جداً للعقل ويرتكز بشكل واسع على ممارسة العنف من أجل فرض إرادة الطاغية. وفي جميع الأحوال أفلاطون يعتبر الطغيان نوعا سيئا للحكم وللسلطة لأنه لا يخضع للفضيلة. ومن جهة أخرى، نظام يهدد بانقسام المجتمع وعامل للصراع في داخله.
5_ الحكومة الأرستوقراطية: وهي حكومة الممتازين والحاكم فيها فيلسوف (الفرد الفاضل)فهو على درجة عالية من الذكاء والمعرفة والفطنة والحكمة وعلى قدرة فائقة في الإدراك وفكرة الخير لا تفارقه لأنه دائماً يحاول أن يتشبه بالإله، وبالتالي هذا النوع من الحكام ليس بحاجة إلى قوانين تقيده ففضيلته وحكمته تجعله دائماً يتخذ القرار الصائب والأصح.فالفيلسوف يعرف الحقيقة، كما أنه يحكم وفق العدالة، فحكومة الفلاسفة التي يقترحها أفلاطون ليست حكومة العلم ولكن حكومة "الحقيقة" وحكومة العدالة. وفقط الناس العادلون و الفضلاء يستطيعون ممارسة الحكم.
في النهاية نستطيع القول أن فكر أفلاطون هو من أكبر الأعمال الفكرية في تاريخ الإنسانية[1].حيث العمق في التفكير والاتساع في التحليل.لا يتوقف الإعجاب بأفكاره من قبل القراء.




الفكر السياسي عند أرسطو
     أحد أكبر و أهم مؤسسي الفكر السياسي الغربي. خصوصاً كتابه الشهير "السياسة" الذي كتب قبل خمسة وعشرين قرناً، وهو في غناه وتحليلاته و نتائجه حول طبيعة السلطة السياسية له تأثير كبير والذي استمر حتى اليوم .
ولد أرسطو في Stagire عام 383 قبل الميلاد، والده كان طبيبا للملك.ولكن الطبَ لم يكن علما بل فناً انتقل من الأب إلى ابنه. ولكن بما أنه ولد في Stagire هذا الشيء جعل منه دخيلاً في أثينا.إذا لا يستطيع المشاركة في الحياة السياسية للمدينة لذلك التزم بالمراقبة والتنظير في هذا المجال.درس أرسطو على يد أفلاطون في أثينا فتأثرت أعماله بأفكار أفلاطون.فنشر العديد من الحوارات ضمن الشكل الذي استخدمه سابقا أفلاطون، حول المشاكل السياسية.من بين هذه الأعمال"الحوارات"نجد:"السفسطائي"، "النبل"، "التعليم"،            و"الصداقة". أما كتاب"السياسة" هو المؤلف الأهم عند أرسطو.الكتاب يتألف وفق الشكل التالي : في الكتاب الأول،أرسطو يدرس تنظيم البيت ويحاول اكتشاف الأشكال الأساسية للحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، إذا نقطة البادية تكون من محيط عائلي. في الكتاب الثاني يدرس الأشكال المختلفة للحكومة،وفي الثالث يقدم نظرية الدستور ويقترح تنظيما أو ترتيبا لمختلف أشكال الحكم، في الكتب الرابع والخامس والسادس يحلل الأشكال المختلفة للأوليغارشية،الديمقراطية و لما سماه"politie" وهو شكل الحكومة الذي يفضله.
ويرتكز التحليل "الأرسطوطاليسي" بالأساس على تحليل الحقيقة، كما أن التكوين الطبي الذي عرفه أرسطو أثر تكوينه الفكري.حيث يطبق أرسطو السياسة على نفس المنهج الذي يحلل به علم الأحياء أو البيولوجي، وبالنسبة لأرسطو بتطبيقه هذا المنهج فإنه ينطلق من الفرد ثم إلى العناصر الأكثر تعقيدا: العائلة،القرية ومن ثم المدينة. فأرسطو لديه مفهوما عضويا للمجتمع،إنه يقارن المجتمع بجهاز عضوي يعيش بفضل التعاون بين مختلف الأعضاء حيث أن العناصر المركبة للجهاز ليس لديها مصلحة إلا ضمن مقياس تكون فيه مرتبطة بالكل"الجهاز". والمدينة بالنسبة لأرسطو ليست مخلوق إنسانياً، بل إنها معطى طبيعيا:"إنه من الواضح أن المدينة هي حقيقة طبيعية وأن الإنسان هو بالطبيعة كائن موجه للعيش في مدينة".بمعنى آخر، أن أرسطو يرى وجود سابقا للمدينة على الفرد.فالمدينة موجودة في الطبيعة نفسها والإنسان هو عنصر منها، ويذكر أرسطو أن:"الإنسان الذي لا يستطيع العيش في جماعة أو الذي لا يحتاج إليها نهائيا لأنه يكتفي بنفسه لا يشكل جزءا من المدينة، إذاً إما هو وحش أو إله". وبالنسبة لأرسطو المجتمع هو تعددي بالطبيعة.عكس أفلاطون الذي رأى أن "الوحدة" يجب أن تطبع المدينة بطابعها وأية قطيعة في هذا المجال هي تراجع يحدث تأخرا وانحلالا في المجتمع ككل. أما المواطن وفق أرسطو فهو ليس بالضرورة أن يعرّف أو يوصف من خلال إقامته في إقليم محدد. حيث يوجد أشخاص يقيمون في إقليم معين ولا يتمتعون بصفة مواطن، وهذا هو وضع العبيد أو الأجانب في اليونان القديم. لذلك يقترح تعريفا إيجابيا. المواطن ويعرّف بداية من خلال المشاركة في ممارسة وظائف القاضي والقضاء.
الأشكال المختلفة للحكومات والحكم الأمثل عند أرسطو.  
     من خلال تطبيق مجموعة من المعايير وضع أرسطو التصنيف التالي والذي يسميه "الأشكال النقية أو الصافية":
الحكومة التي يديرها فرد واحد، والتي تتطابق مع الملكية، حيث يوجد نظام ملكي يهدف لتحقيق المصالح العامة.
حكومة بعض الأفراد، وهي الأرستقراطية، وفيها نجد قبولا" إما لأن الأفضل هم في السلطة، أو لأن سلطتهم تهدف إلى تحقيق أكبر نفع ممكن للمدينة ولأعضائها".
الشعبية أو الجماهيرية، "وتوجد عندما الأغلبية في المدينة تحكم من أجل المنفعة العامة".
وتحدث أرسطو عن حكومة الطبقة المتوسطة في تحديده لمعيار الحكومة الجيدة، وذكر أن" الحياة الأفضل هي تلك تشكَّل من خلال شيء وسطي، وهذا الشيء الوسطي يوضع في التنفيذ من خلال الطبقة الوسطى". ففي المدينة يوجد ثلاث طبقات اجتماعية: الأشخاص الأكثر غنى، الأكثر فقرا، و"الأشخاص في الوسط بين الطبقتين السابقتين".      
إلى جانب هذه التصنيفات "النقية" نجد عند أرسطو التصنيفات التي يسميها "الفاسدة"، وهي تقوم على دساتير يعود الحكم فيها لمجموعة تتصرف وفق مصالحها الخاصة وهي :
الطغيان، وهو الشكل الفاسد للملكية ويتصف بممارسة السلطة من قبل شخص ولمصالحه الشخصية.
الأوليغارشية، وهي تشويه للأرستقراطية، حيث حكومة يترأسها الأغنياء يعملون لمصلحتهم.
الديمقراطية، وهي الشكل الفاسد "للجماهيرية أو الشعبية"، حيث يوجد حكومة فيها أكبر عدد ممكن من الشعب،ولكن تمارس سلطتها لمصلحة الفقراء والذين هم أكثر عددا وليس للمصلحة العامة كما هو الحالة في الحكومة الشعبية.
   وفي جميع الحالات يعتبر"كتاب السياسة"لأرسطو" هو الأكثر تأثيرا والأكثر عمقاً واستمراراً عبر التاريخ ابتداء من العصر الروماني حين أثرت أطروحات أرسطو على أكبر المنظرين الرومان، مثل Polybe و Ciceron ، مروراً بالعصر الوسيط ووصولاً إلى عصر الأنوار حيث حضرت أفكار أرسطو في عقول وقلوب فلاسفة السياسة آنذاك. وبالمقابل فقد تم إهمال الفكر الأرسطي خلال القرن التاسع عشر والقرن العشرين. وطبعا هذا لم يستمر طويلاً حيث النظريات الحديثة لعلم السياسة، مثل"الوظيفية" وغيرها أخذت من مناهج و أفكار الأرسطية. إن "كتاب السياسة" يعد مفتاحاً للفكر السياسي عبر مختلف العصور كونه تحدث عن قضايا كثيرة نعيشها اليوم،وكونه مصدرا عظيما للفكر الإنساني.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق