زبيري رمضان

مدونة أ/زبيري رمضان ترحب بالإخوة الزائرين للمدونة ونرجو من الله أن المدونة وما فيها تحوز إعجابكم ومتمنين من الله الصحة والعافية لكل زوار وأعضاء المدونة إدارة المدونة أ/زبيري

الاثنين، 10 مارس 2014

المحاضرة الأولى سداسي 2

النظريات التعاقدية
تشكل النظريات التعاقدية إحدى التيارات التي تميز بها عصر النهضة الاروبية تحمل في طياتها احتجاجا ضد النظام الإقطاعي وبرنامجا من اجل النظام البرجوازي،ويتجسد فيها إفراغ المجتمع بصفة عامة،و السلطة السياسية،بصفة خاصة ،من كل مضمون ديني.من هنا يأتي ارتباطها بالعلمانية. و جميعنا نعرف أن هذه النظريات، التي ارتبطت بأسماء توماس هوبس (1588ـ1679)TOMAS HOBBES و جون لوك (1632ـ1704) JHON LOCKE و جان جاك روسو (1712ـ1778) JEAN JACQUES ROUSSEAU، جاءت تتويجا للتيارات الفكرية التي حملت في أحشائها ثورة على المفاهيم الدينية في تنظيم المجتمع سواء من الناحية الاقتصادية و ذلك بتدعيم الربح و الملكية الخاصة،­­ أم من الناحية السياسية حيث نضمت نقاشا حول مفهوم السيادة. هذا النقاش ينطلق من تأسيس مجتمع مدني مستقل، أي مجرد من أي طابع ديني، و إعطاء القانون أصلا دنيويا و كذا توحيد الحكم و ممارسته في إطار الدولة في شخص الأمير و التعامل معه بالنظر إلى فكرة المشروعية، إلى إرساء مفهوم السيادة باعتبارها القاسم المشترك بين الأنظمة  الديمقراطية أم ملكية و أرستقراطية. هذا المفهوم الذي سيعتمد عليه غروسيوس ليؤسس بنيان القانون الحديث و هو ما سيتناوله روسو في إطار ما سماه '' القانون السياسي" .   
    إن تخليص السلطة السياسية من هيمنة الكنيسة ثم بالعودة إلى حالة الطبيعة لتدعيم الحقوق الطبيعية، الحرية و الملكية الخاصة التي ستشكل دعامة الدولة البورجوازية. هذه الحالة ستؤدي إلى الانتقال إلى المجتمع المدني، و ذلك بواسطة العقد الاجتماعي ، لإعطاء المؤسسات السياسية طابعا إنسانيا و اقتصاديا. أما نقطة الانطلاق فقد تحلت في التساؤل عن أصل المجتمع.
    فالحالة الطبيعية (الفرع الأول) و العقد الاجتماعي (الفرع الثاني) هما المحوران اللذان سنعتمد عليهما في تفسير النظرية التعاقدية. أما الاختلاف في الجزئيات فيعبر عن التيارات التي واكبت الانتقال إلى الرأسمالية، ابتدءا من البورجوازية الصاعدة إلى تلك التي أرست دعائم الدولة الحديثة
الفرع الأول الحالة الطبيعية
     حالة وهمية، تشكل العودة إليها، أي إلى المجتمع الطبيعي، الفرضية التي انطلق منها رواد نظرية العقد الاجتماعي، و ذلك لنقد أوضاع المجتمع القائم و تبرير المشروع المجتمعي الذي تتضمنه هذه النظريات. و إذا كانت أبعاد هذه الانطلاقة تتجلى في السعي إلى "تصفي الحساب مع الوعي المسيحي الذي عد الطبيعة الإنسانية هي الشر الذي تأصل في الإنسان منذ خليقته و كان لابد له من الخلاص منه"، فان اتخاذ الطبيعة نموذجا لتحليل أوضاع المجتمع يعني الاقتداء بمناهج العلوم الطبيعية في مجال القانون و علم الاجتماع و الاقتصاد، لتقصي المبادئ و القوانين الثابتة التي يخضع لها سير المجتمعات رغم اختلافها و تعدد أساليب سيرها. وتظل هذه العودة تبريرا للحقوق الطبيعية التي يتمتع بها الإنسان الحرية و الملكية الخاصة. هذه الحقوق، التي ستتبلور في بيان حقوق الإنسان والمواطن في فرنسا(1789ـ1791) وقل ذلك في جمهوريات أمريكا الشمالية (1776).أما اختلاف تصور كل مفكر لحالة الطبيعة فيعود ـ كما أشار إليه ـ إلى المرحلة التي عاشها كلّ منهم، والضر وف التي تأثر بها.
    فحالة الطبيعة بالنسبة لهوبس، تسيطر فيها القوة و الأهواء الشخصية، تنعدم فيها الملكية والصناعة و العلم وتفتقد فيها مفاهيم العدل. إنها حالة فوضى وحرب وحالة اقتتال دائمة يسودها العنف والموت. ورغم أن الأفراد متساوون بطبعهم، فان هذه المساواة ينتج عنها التنافر مما يؤدي إلى الحروب، أي إلى حرب الجميع ضد الجميع. هذه الحالة الطبيعية عبر عنها ب"جمهورية الاكتساب" وتقابل هذه النظرة المتشائمة لحالة الطبيعة نظرة متفائلة عبر عنها لوك ومن بعده روسو. فهذا الأخير يرى كانوا يعتمدون خلالها بالاستقلال والحرية ويزاولون حقوقهم الشخصية. أما لوك فيرى أنها حالة يسودها الأمن و السعادة حيث كان الانسان يعيش في ظل أعراف و قوانين. وبخلاف هوبس فهو يعتبر أن الملكية الخاصة توجد في المجتمع الطبيعي. أي أنها سابقة على المجتمع المدني ، وهي نافعة لا بالنسبة للمالك وحده، بل للإنسانية جمعاء.
  لماذا إذن الانتقال إلى "المجتمع المدني"؟ إن ضرورة الانتقال،أي ضرورة الدولة تنحدر من الحالة الطبيعية، إلا أن دوافعها تختلف من فكر لأخر. فالقوانين الطبيعية التي تنبع من غريزة حب البقاء وتدفع الإنسان إلى البحث عن السلام و الدفاع عن مصالحه هي التي يفسر بها هوبس هذا الانتقال.
أما عن لوك فالدوافع تلخص في المحافظة على الملكية وضمانها ومعاقبة كل من يسطو عليها، وعند روسو في الرغبة في حياة أفضل، بعد تفاقم عدم المساواة وتدهور العلاقات بين الأفراد .
الفرع الثاني العقد الاجتماعي
إن استدراك الثغرات والمساوئ التي تنطوي عليها حالة الطبيعة، وما يكون الإنسان قد فقده خلالها، يتم بواسطة العقد الاجتماعي الذي يؤمن الانتقال إلى المجتمع المدني. ويقصد بالمجتمع المدني هناـ خلافا للمدلول الذي أصبح يتخذه منذ القرن الثامن عشر ـ المجتمع السياسي . هذا العقد هو الذي يجسد أو يعكس الطابع الإداري و الاصطناعي للدولة. أما طبيعته ونتائجه فهي تختلف من مفكر لأخر حسب نظرته لحالة الطبيعة. فالانتقال إلى "المجتمع المدني" يتحدد عند هوبس بواسطة عقد يعقده الأفراد بينهم دون الحاكم الذي الذي لايلتزم به، يتم بمقتضاه إقامة "الجمهورية بالتأسيس " وذلك بالتنازل عن حقوقهم الطبيعية للدولة. هذه الأخيرة التي رمز إليها باللفيتان  Le Léviathan. إنها المؤسسة الضخمة ذلك الوحش المخيف الذي يؤمن للأفراد الأمن في الداخل و السلام في الخارج، هذه الدولة التي تتكون من مجموع المصالح الشخصية و تجمع بين السلطة المدنية و الروحية حيث يتم إخضاع الثانية لمقتضيات الأولى. أما ممارسة السلطة المطلقة فتعود إلى "الحاكم بالتأسيس" شخصا كان أم جمعية، حيث يمارسها بدون حدود ولا تحق مقاومته مهما بلغت درجة استبداده. لماذا؟ لأنه يعتقد أن حدود هذه السيادة تتمثل في العقل، و من غير المنطقي إلا يبحث الحاكم عن مصلحة شعبه ؛ هذه المصلحة التي تنصهر في مصلحته
 وبخلاف هوبس نجد أن المجتمع السياسي، كما حدده لوك، قائم على مبدأ الاتفاق الملزم للحاكمين والمحكومين، يتنازل الأفراد بواسطته للدولة على حق المحافظة على الملكية و معاقبة كل من يسطو عليها، ذلك أن الملكية الخاصة تشكل أصل وهدف الحياة السياسية والاجتماعية، والمحافظة عليها تمثل الهدف الرئيسي للمجتمع المدني الذي يحقق شروط هذه المحافظة والتنازل يتم إلى سلطة ديمقراطية تتعارض مع السلطة المطلقة. والسلطة التشريعية في نظره هي السلطة العليا في"المجتمع المدني" . أما باقي السلط فتعد تابعة لها، وتقوم وظيفتها الاساسية على سن القوانين، ولا تحد سلطتها إلا القوانين الطبيعية التي اختزلها في حق الملكية. أما السلطة التنفيذية فلها وظيفة محدودة تنفيذ القوانين داخل المجتمع، وتعود ممارستها إلى نفس الهيئة التي تمارس السلطة الاتحادية. هذه السلطة التي تناط بها مهمة حماية سلامة الأفراد وحفظ أمنهم من كل اعتداء خارجي يمكن أن تعبر عنها بسلطة إقامة السلم والحرب. هكذا تنظم اذن السلط في "جمهورية الملاكين".
    ويظل العقد الاجتماعي عند روسو الوسيلة التي يتحقق بها الانتقال إلى المجتمع المدني قصد حياة أفضل ومن اجل التمتع بالحقوق الطبيعية الحرية و المساواة في ظل القانون . انه الوسيلة التي يتم بمقتضاها الخضوع إلى الإرادة العامة التي تتلاشى فيها الإرادات الخاصة.
هذا لا يعني أن أفراد قد فقد ولكن طبيعتها هي التي تغيرت. ولا يعني أيضا على أن الفرد تنازل عن سيادته وبمقابل خضوعه للإرادة العامة فانه يشترك في وضع القوانين، هذه القوانين التي تعبر عن الإرادة العامة. فبدل سيادة الملك تتحقق سيادة الشعب، ذلك أن الحكم السياسي هو القانون المهيأ من طرف المواطنين المجتمعين في جمعية عامة،والمصادق عليه بالأغلبية. أما وظيفة الملك فتقتصر على التنفيذ.

   بعرضنا هذا نكون قد حددنا الفكرة الأساسية التي تعتمد عليها كل من النظريات التعاقدية، السيادة عند هوبس، الملكية الخاصة عند لوك ، سيادة القانون عند روسو ، كما نكون قد وضحنا أن هذه النظريات لم تختص التفكير في أصل الدولة من الطابع الأسطوري و الخيالي مما يتنافى مع الفكرة التي تقضي بأن المجتمع الإنساني مجتمع تاريخي. وبناء على هذا التحليل ، يبقى تصور قيام المجتمع على اتفاق غريبا، كما لو أن أي اتفاق لا يفترض أصلا مجتمعا قائما .ورغم الانتقادات التي وجهت إلى هذه النظرية ، كالتي تنفي نظرية التعاقد وسابقيه المصلحة الفردية (هيجل) والتي تعد أن الاعتقاد في التقدم لا يمكن أن يعول فيه على التاريخ ليجد في أحداثه ما يسده (كانط)، فإنها تظل باعتراف مفكريها فرضية خيالية ، لا تستند إلى أسس واقعية ، قصد تبرير وجهات نظر سياسية، في أفق إضفاء الطابع الاصطناعي و الإنساني لكل مؤسسة. هكذا يظل هدف هذه النظريات هو قلب القناعات الخاصة بالنظام الإقطاعي و التركيز على ضرورة الأنظمة و الدول، هذه النظريات التي تسير في إطار الفكر الليبرالي الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالدولة . 
جزيل الشكر للطالبة التي تطوعت بكتابة هذه المحاضرة 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق