زبيري رمضان

مدونة أ/زبيري رمضان ترحب بالإخوة الزائرين للمدونة ونرجو من الله أن المدونة وما فيها تحوز إعجابكم ومتمنين من الله الصحة والعافية لكل زوار وأعضاء المدونة إدارة المدونة أ/زبيري

الأربعاء، 15 يناير 2014

المحاضرةالعاشرة :(الأخيرة)


مدخل لدراسة الفكر السياسي الإسلامي
   يقوم نظام الحكم في الإسلام على الشريعة الإسلامية، وبالرغم من أن الدولة الإسلامية دولة دينية إلا أنها ليست تيوقراطية، فمؤسس هذه الدولة بشر وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، والهدف هو الدعوة إلى الله سبحانه وإخراج الناس من عبادة العباد وظلمات الشرك والجهل والفساد إلى عبادة الله الواحد الأحد، ودستور هذه الدولة هو معجزة الله الخالدة ، أنزله منهاجاً وهدى وشفاء للبشر،وحتى السلطات العامة نابعة من هذا الدستور الرباني فهي تخضع كغيرها لأوامر الله ونواهيه وصراطه المستقيم. أما مبادئ الحكم في الإسلام فنجد أنه على مدى التاريخ الإسلامي قامت سياسة الحكم في الإسلام على مبادئ رئيسية أهمها:
‌أ)       العدل
‌ب)  الطاعة من المحكومين
‌ج)    الشورى
 ويكون الفكر إسلامياً في الحالات الآتية:
1.    عندما يكون المفكّر مؤمناً بالإسلام ومقتنعاً بمبادئه.
2. عندما يُعمِل المسلمُ فكره في المصادر الإسلاميّة،ويكون نتاجه الفكري مؤسسا على هذه المصادر والتي هي الأصول
3. عندما يُعمِل المسلم فكره في المصادر غير الإسلاميّة، ولكنه يستند في تقييمه وأحكامه ومواقفه إلى أساسيات الإسلام عقيدة وشريعة. وعليه لا يكون فهم المستشرقين الدارسين للإسلام ولا استنباطاتهم ولا أحكامهم فكراً إسلامياً. وكذلك لا يعتبر فكر المسلمين المتأثرين بأصول الفلسفات غير الإسلاميّة فكراً إسلامياً.
وقد بدأ تدوين الفكر السياسي متأخرا جدا عن تدوين كثير من العلوم كالحديث والتاريخ والتفسير والفقه والأدب وامتدت فترة التمهيد له مدة طويلة من أواخر الخلافة الراشدة إلى عصر المأمون العباسي. كما ساهم في تكوين بنيته الفكرية كل العناصر الثقافية المحلية والوافدة جاهلية وإسلاما .
ونظرا لكون الأمة العربية كانت قبل البعثة وصدر الإسلام شفوية الثقافة فقد ظل التفكير السياسي لديها شفويا تتداوله  الألسن شعرا وحكمة وأخبارا. ولم تكن الحاجة ماسة إلى تدوينه في فجر الإسلام مثلما كانت بالنسبة للعلوم المتصلة اتصالا واضحا مباشرا بالعقيدة والعبادة. لذلك تأخر التدوين السياسي إلى أوائل القرن الهجري الثاني حيث ظهر ضمن مصنفات أدبية وأخبارية على هيئة مواعظ ونصائح وأساطير مقتبسة من تجارب الإنسان وتقاليد الأمم. ومن ثم انتقل إلى مرحلة ثانية هي مرحلة المصنفات المستقلة الخاصة به؛ ولكن على غير يد الفقهاء ومن مرجعية غير إسلامية . فقد ظهر أول المصنفات فيه ترديدا للفلسفة الشرقية هندية وصينية وبابلية وآشورية وفـارسية وحتى يونانية . وكان ذلك على يد الفـارابي (260 - 339 هـ/ 874- 950 م) المتأثر بالآراء السياسية لأفلاطون وأرسطو حيث تناول الفلسفة السياسية في عدة مؤلفات منها:"رسالة تحصيل السعادة "، " السياسة المدنية "،  "رسالة السياسة "، " الفصول المدنية"،   " آراء أهل المدينة الفاضلة  " .
وفي منتصف القرن الهجري الرابع ـ العاشر الميلادي( 373 هـ / 983 م ) ، ظهرت الكتابات السياسية لجماعة
 "إخوان الصفا وخلان الوفا" ، متأثرة بنفس المؤثرات وكانت السياسة لديها تمثل علما مستقلا بذاته له خمسة أقسام: السياسة النبوية، والسياسة الملوكية، والسياسة العامية، والسياسة الخاصية، والسياسة الذاتية.                                           
     وفي بداية القرن الهجري الخامس ـ الحادي عشر الميلادي ـ ، ظهرت المرحلة الثالثة بأول الكتابات السياسية المستقلة عن الفكر الفلسفي المتأثرة بالفقه والشريعة على يد الماوردي(364- 450 هـ / 975 – 1058 م) ومن نهج نهجه ونحا نحوه .
ولقد سار الفقهاء والمتكلمون في هذه المرحلة على نهج تشريعي لما ينبغي وما يجب وما يجوز وما لا يجوز في نظام الخلافة وتدبير أمر الدولة. واستوفت أبحاثهم نظم الملك والوزارة والإدارة والقضاء، والحسبة والأموال وتنظيم الجيوش والعلاقات مع داري الحرب والمهادنة. كما بذلوا جهودا جبارة من أجل تبرير تصرفات الملوك وإضفاء الشرعية عليها وإرشادهم إلى ما يحفظ عروشهم ويحببهم إلى الرعية .
ثم تدهور التصنيف في هذه المرحلة إلى مستوى من الإسفاف والمداهنة الخانعة بأسلوب متودد يحاول حفظ ماء وجه الفقهاء ولا يزعج الحكام أو يضايقهم من خلال الإعراض عن ذكر الأحكام الشرعية الخاصة بتصرفات الخليفة، والاقتصار على تقديم النصائح ذات الطابع الأخلاقي والتعليمي التي من شأنها أن تحفظ العروش أطول مدة ممكنة ، والتذكير بوصايا من تراث الأمم ومأثورات الطرائف والأساطير ومختارات الشعر والنثر والحكم والأمثال وآيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية ما صح منها وما لم يصح مثلما هو حال كتاب "سير الملوك " لنظام الملك ( 408 - 485 هـ / 1018 – 1092 م ) ، و"سلوان المطاع في عدوان الأتباع " لمحمد بن ظفر الصقلي المكي ( 497 - 565هـ / 1104 - 1169 م ) ، و"النهج المسلوك " لابن نصر الشيزري (ت 589 هـ ) .
ثم بعد ذلك ظل التصنيف السياسي لدى المسلمين متأرجحا بين هذه المراحل لا يغادرها ولا يتطور لما هو خير منها، إلى عصر النهضة الحديثة التي حاول استنهاض الهمم فيها كل من الطهطاوي والأفغاني ومحمد عبده ومن جاء بعدهم. ولكن محاولاتهم ظلت حبيسة ازدواجية عقيمة تتخذ مرجعية في فقه الماوردي من جهة وتحاول تساوقاً مع الديموقراطية الغربية من جهة أخرى ؛ لذلك لم تثمر تأصيلا حقيقيا لنظام حكم إسلامي متميز في الكتاب والسنة.
ولئن كان من الصواب البدء بدراسة التصنيف الفلسفي نظرا لأسبقية ظهوره ؛ فإن بعضا من الإسلاميين قد لا يوافق على إقحام الآراء السياسية لفلاسفة المسلمين الأوائل في هذه الدراسة، لأسباب عقدية تتعلق بتصورهم الإيماني أو مبررات أصولية لها علاقة بطرق استنباطهم التي لا تمت إلى منهجية الاستنباط الشرعي بصلة، أو مسوغات فقهية خاصة بمرجعيتهم غير الإسلامية استنادا واستدلالا .
إلا أن ذلك لا ينفي وجوب التزام الموضوعية في دراسة نظم الحكم عند المسلمين بكل اتجاهاتهم ، وكشف مختلف المؤثرات والعوامل التي ساهمت في تكوين فكرهم السياسي؛ كي تتضح رؤيتنا لمسار الدولة الإسلامية نظرا وتطبيقا على مدار التاريخ ولأوضاعنا المعاصرة بكل مساربها ومتاهاتها ونقائصها ونواقضها وذبذباتها المتأرجحة بين عوامل الداخل والخارج، الأصيل والدخيل، السلبي والإيجابي .
ولنتبين مدى قرب الفكر السياسي الحديث لدى المسلمين أو ابتعاده من التشريع الإسلامي نلجأ إلى الكتاب والسنة ونستبين أوجه الانحراف وسبل التقويم، إذ التعلم باكتشاف الخطأ أبلغ في النفس وأشد تأثيراً.
إن النظام السياسي الإسلامي هو ما كان منبثقا من مرجعية الكتاب والسنة عقيدة وأصولا وفروعا. وما عدا ذلك يُحتمل أن يكون متأثراً بالإسلام أو ملتقياً به في بعض جزئياته أو كلياته؛ إلا أنه لا يمثل النظام السياسي الإسلامي الحق تمثيلا صادقا.  ذلك لأن بوصلة التوجه إلى أي هدف هي التصور الإيماني السليم الواضح.
أما التصنيف السياسي المباشر فقد ظهرت أولى بواكيره على شكل رسائل مستقلة تبحث موضوع " السياسة " بمفهومها الذي هو حسن التدبير والحكمة في التسيير، وكان من أول مؤلفيها تحت عنوان "رسالة في السياسة" كل من الفارابي وأبو القاسم المغربي وابن سينا .
ولئن اختلفت بعض مضامين هذه الرسائل التي تطابقت عناوينها فإنها اتفقت كلها في ثلاث هن:
1 _ أن السياسة حاجة ملحة لكل البشر رفيعهم ووضيعهم ، ولكن الملوك ثم أعوانهم أشد حاجة إليها .
2 - لم يعتمدوا في تصانيفهم على الكتاب والسنة مرجعا أو استشهادا .
3 - كانت منطلقاتهم الفكرية والفلسفية معتمدة اعتمادا مطلقا على الفكر اليوناني .
ثم بعد ذلك أخذت تظهر مصنفات فلسفية موجهة للملوك فقط ، ترشدهم إلى ما ينبغي عمله وإقامته في سياستهم ، مثل كتاب " سلوك المالك في تدبير الممالك " لابن أبي الربيع .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق