زبيري رمضان

مدونة أ/زبيري رمضان ترحب بالإخوة الزائرين للمدونة ونرجو من الله أن المدونة وما فيها تحوز إعجابكم ومتمنين من الله الصحة والعافية لكل زوار وأعضاء المدونة إدارة المدونة أ/زبيري

الأربعاء، 8 يناير 2014

المحاضرتين الثامنة والتاسعة

 _الإصلاح الديني عند مارتن لوثر (1483ـ1546)
    في القرن السادس عشر كانت الكنيسة تسيطر سيطرة خطيرة على مقدرات البلاد الأوروبية،وكانت النظرية السائدة وقتها هي أن البابا هو ظل الله في الأرض أو يمثل سلطة الإله على الأرض. وقد غالى بعض الباباوات في التحكم عبر ابتزاز الأموال، ولعل أسوأ مظهر من مظاهر هذا الإبتزاز هو التوسع في بيع "صكوك الغفران". ويعتبر أصل نشأة هذه الصكوك هو فكرة الإعتراف أمام القسيسين لقبول توبة المعترف الذي لا يدخل الجنة في الحال بعد موته، بل يمضي فترة من الزمن فيما يسمى بالمطهَر الذي يقضي فيه المذنبون حكم الله بالعذاب إلى أن يتطهروا من ذنوبهم، ولتخفيف عذاب المطهَر ابتكر البابا "بونيفاس السابع" صكوك الغفران والتي كانت مورداً مالياً مهماً درَ عليهم أموالاً كبيرة جعلها تتغالى في إباحة بيعها حتى لمن يريدون غفران خطاياهم القادمة في مستقبل أيامهم .
  وهنا بدأ الإصلاح الديني في ألمانيا من خلال أعمال مارتن لوثر(1483م-1546م) الذي أسس المذهب البروتستانتي، وهو الذي قال بأن النص الوارد في الإنجيل هو أعلى من الكنيسة، وفي ذلك تحدي غير مسبوق لاحتكار الكنيسة لحق التفسير الديني.  درس لوثر القانون في إحدى الجامعات الألمانية ثم درس علم اللاهوت وأصبح دكتوراً في هذا التخصص وعين قسيساً سنة1507م، أعطى إشارات أولية بقدوم الإصلاح عندما عارض وبشكل علني في عام 1517م بيع "صكوك الغفران" من قبل الكنيسة الرومانية. نشر بشكل متقطع منذ عام1520م ما يسمى "الكتابات الإصلاحية الكبرى" وهي: "الدعوة إلى النبل المسيحي للأمة الألمانية"، "الأسر أو العبودية البابلية للكنيسة"، "تحليل أو قراءة الحرية المسيحية". وقدم لوثر ترجمة ألمانية رائعة للكتاب المقدس، وقد أدت أفكاره لظهور المذهب البروتستانتي (الذي انفصل عن المذهب الكاثوليكي) والبروتستانتية هي كلمة مشتقة من اللاتينية والتي تعني"الإحتجاج أو الإعتراض"، بقي لوثر زعيماً من غير منازع للكنيسة الجديدة حتى موته عام 1546م.
ـ الأفكار السياسية عند مارتن لوثر: نحو دولة وطنية من غير نفوذ كهنوتي
 يذكر مارتن لوثر أن الكنيسة يجب ألا تحصل على سلطات سياسية وقانونية خاصة بها. فإذا كان الخلاص يأتي من خلال الإيمان وحده، فإن الفكرة القديمة لكنيسة تعمل كوسيط للحصول على الخلاص يجب أن تختفي،والكنيسة كما تشير الكلمة اليونانية ecclesia ليست إلا "شعب الله"، أو بمعنى آخر مجلس أو تجمع المؤمنين وهي لا تتعلق إلا بأعضاء هذا المجلس أو التجمع،وفي هذا الحالة كل المؤمنون لديهم صفة روحية ولديهم القدرة على مساندة أخوتهم روحياً،وبالتالي ليس هناك رجل دين بل الجميع يحملون هذه الصفة،ويقصد هنا انعدام الوصاية الدينية من أي شخص.
 إذاً الكنيسة البابوية ليس من حقها الإدعاء بوجود أية امتيازات لها وليس لديها حق بالحصول على الأموال، كما لا يمكنها الحصول على سلطات قانونية وقضائية خاصة تضاف لسلطات الدولة وتكون بهذه الحالة سلطة أخرى ذات نفوذ داخل الدولة، وحتى السلطة القضائية داخل الكنيسة نفسها يجب أن تمارس من قبل سلطة زمنية وليست دينية.
_ الفكر السياسي في عصر النهضة الأوروبية :
    صاحب فكرة الإصلاح الديني انتشار الثقافة والتعليم والإختراعات التكنولوجية في مجمل أوروبا، والتي بدأت في إيطاليا ووصلت إلى هولندا وإنجلترا وفرنسا،وفي بعض هذه الدول كانت الرقابة صارمة إذ أصدرت قوانين تقضي بإعدام المؤلفين الذين يحاربون الدين أو يخلَون بالأمن، ومن أوائل العلماء جاليليو جاليلي(1564-1642) الذي اكتشف نظرية البحث العلمي وكيفية اختبار النظريات العلمية بالإضافة إلى اكتشاف نظرية حركة الأجسام، إلا أن الكنيسة انزعجت من اختراعاته العلمية وقامت باعتقاله عام 1633م وإجباره على التراجع عن اختراعاته العلمية وإعلان توبته وإلا تم حرقه وقتله، وهنا أثبتت الكنيسة للأوربيين بأنها ضد العلم والعلماء مما ساهم ببدء عصر جديد عرف بعصر النهضة. والنهضة بمفهومها الخاص هي حركة إحياء التراث القديم، أما بمعناها الواسع فهي عبارة عن ذلك التطور القديم في كل من الفنون والآداب والعلوم وطرق التعبير والدراسات وما صاحب ذلك من تغيير في أسس الحياة الإجتماعية والإقتصادية والدينية والسياسية، وهو مصطلح يطلق بالأساس على فترة الانتقال من العصور الوسطى إلى العصور الحديثة وهي القرون14-16 ويؤرخ لبدايتها بسقوط القسطنطينية عام 1453م، حيث نزح العلماء إلى إيطاليا حاملين معهم تراث اليونان والرومان. لذا فمصطلح عصر النهضة يدل على مجموع التيارات الثقافية والفكرية التي بدأت في البلاد الإيطالية في القرن14، حيث بلغت أوج ازدهارها في القرنين 15و16، ومن إيطاليا انتشرت النهضة إلى فرنسا وإسبانيا وألمانيا وهولندا وانكلترا وإلى سائر أوروبا، ومن أهم عوامل ظهور عصر النهضة نجد:
·        انتعاش التجارة و إزدهار المدن التجارية الأوربية.
·         استعمال اللغة الوطنية؛ إذ كانت اللغة اللاتينية وهي لغة العلم والثقافة محصورة في رجال الدين، ولكن تنبه الأوروبيين إلى ضرورة استعمال اللغة الوطنية التي يتكلمها معظم أبناء الشعب، وقد كان لتشجيع بعض الحكومات الأوروبية للغات القومية وإقبال بعض الكتاب على التأليف بها أثر كبير في نشر الثقافة بين طبقات الشعب، وهي اللغات الأم للغات شعوب أوروبا الحالية مثل اللغات الفرنسية والإنجليزية وغيرها.
·         أدى سقوط القسطنطينية إلى هجرة عدد كبير من العلماء إلى إيطاليا، وحملوا معهم كلما استطاعوا من كتب إغريقية وتماثيل وأدوات قديمة، وهناك تعاونوا على بعث الثقافة اللاتينية وتطويرها في قالب جديد كان نواة للنهضة الأوربية.
وفي جميع الحالات فإن عصر النهضة أو عصر التنوير هو عصر الحرية الفكرية والدينية في أوروبا. وتمظهر ذلك في إلغاء الرقابة على حرية الفكر والنشر في إنجلترا عام1695. وحتى فرنسا بعد أن كانت الرقابة صارمة بصدور قانون يقضي بإعدام المؤلفين الذين يحاربون الدين أو يخلون بالأمن عام1757، إلا أن ظهور جيل من التنويريين ساهم في كبح هذا التسلط، ومن أكبر دعاة الحرية في فرنسا فولتير(1694-1778) والذي قال بأن الكنيسة حولت المسيحية إلى أسوأ دين، وقال بأن الكنيسة كلها مجموعة من الخرافات التي لا يصدقها العقل. وهنا بدأت الدعوة لفصل الدولة عن الكنيسة تنتشر في أوروبا بشكل متسارع، وهو ما يعرف بالعلمانية.
_ العلمانية Secularismوالفكر السياسي في أوروبا
    يذكر المفكر أوغست كونت(1795-1857) بأن الحضارة مرت بثلاث مراحل: مرحلة اللاهوت (إرجاع الأمور كلها لعامل الإله)، مرحلة الميتافيزيقيا، والمرحلة العلمية-الإيجابية. واعتبر أن اللاهوت هي طريقة التفكير البدائية التي ترجع جميع الظواهر لاعتبارات فوق طبيعية وبصورة خيالية. أما المرحلة الميتافيزيقية فهي عندما تأثر الفكر البشري بفلاسفة مثل أفلاطون لتفسير الظواهر بصورة منطقية_ رياضية، ثم تأتي المرحلة الإيجابية العلمية التي لا دخل لها بالدين أو اللاهوت أو الميتافيزيقيا(على حد تعبير كونت). وهذه النظرة خاطئة _من وجهة نظرنا كمسلمين_ لأنها تعتبر الدين مرحلة في حياة البشر انتهت إلى غير رجعة مع التطور العلمي. 

     والعلمانية، أي الدنيوية، بدأت كحركة وأصبحت بعد ذلك الأيديولوجية المسيطرة في جميع أوروبا. ونظر إليها على أنها فصل الدين المتمثل في الكنيسة عن الشؤون الدنيوية.  فهي عبارة عن مفهوم سياسي- إجتماعي نشأ إبان عصر النهضة والتنوير في أوربا، عارض سيطرة الكنيسة على الدولة وهيمنتها على المجتمع وتنظيمه على أساس الإنتماءات الدينية والطائفية. نادى هذا المفهوم بالفصل التام للدين عن الدولة وبالتالي إخضاع المؤسسات والحياة السياسية لإدارة البشر . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق